بعد ان ارتبط الفشل بالعملية التعليمية في مصر ارتباط الحر بالصيف والبرد بالشتاء
جاءت حادثة الطفلة الاء لتلقي الضوء على نوع جديد من الفساد
ولا اقصد الخصاء الفكري فهذا معروف منذ زمن
وانما اقصد موقف المصحح مدرس اللغة العربية الذي اصابه الفزع من موضوع التعبير لطالبه في الصف الاول الثانوي
فسارع إلي ابلاغ رئيس لجنة التصحيح بمضمونه, الذي فوجيء بدوره واستشعر الخوف, ومن ثم وضع مدير المدرسة في الصورة, بعد أن قدم إليه ورقة الطالبة التي هي دليل اقتراف الجريمة.
مدير المدرسة بحكمته البالغة آثر السلامة وأحال الأمر إلي مدير المنطقة التعليمية, الذي وجد أن الأمر يجب تصعيده إلي المستوي الأعلي, فأوصل الأمر إلي وكيل وزارة التربية والتعليم بمحافظة الدقهلية التي تتبعها المدرسة
الذي عرف على الفور ان الفتاة تعاني من مرض ادى الى تضخم عقلها بسرعة كبيرة مما قد يؤثر على حياتها وحياة المجتمع المصري كله
لذلك جب استئصال هذا العقل
من مقال فهمـي هـويـــدي تحت عنوان إنهم يهددون حاضرنا ومستقبلنا
الخطوة الأهم في الموضوع جاءت من طرف الرئيس مبارك, الذي طلب اعادة تصحيح ورقة آلاء. مع التجاوز عن الانتقادات السياسية التي وجهتها, الأمر الذي يعني أن كل الاجراءات العقابية التي استهدفتها سيتم الغاؤها.ذلك كله عالج الشق الاجرائي والعاجل في المشكلة.
وبقي الشق الآخر, الذي هو كارثي بامتياز, المتمثل في موقف الهرم التعليمي كله, الذي رأيناه في هذه الحالة مرتعشا ومرعوبا وقمعيا بلا رحمة, حيث لم يحتمل أولئك المربون الأفاضل من تلميذة عمرها خمسة عشر عاما أن تتكلم في السياسة.
فقرروا انزال أقسي العقوبات بها, الأمر الذي يعكس أحد أوجه التحولات الحاصلة في سلوك الجهاز التعليمي, والبيروقراطي بوجه عام, الذي أصبح يري في القمع أسلوبا أمثل للتعامل مع الجمهور.
لكي ندرك عمق تلك التحولات, بين يدي شهادة تحدث عن علاقة الأساتذة بتلاميذهم قبل أكثر من نصف قرن.
فقد تحدث الدكتور سعيد إسماعيل أستاذ أصول التربية البارز بجامعة عين شمس في سيرته التي أصدرها تحت عنوان هاؤم اقرءوا كتابيه, عن أستاذ اللغة العربية الذي كان يخيرهم في كل مرة, وهم في السنة الأولي الثانوي, بين كتابة الانشاء إما في موضوع سياسي عن أحداث الساعة, أو في موضوع آخر, وذات مرة طلب الأستاذ من تلاميذه أن يكتب الواحد منهم عن نزهة في الحقول, تمتعت فيها بمناظر الطبيعة الخلابة, فتحدث عما شاهدت, وواس الفلاح بكلمة رقيقة.
في موضوع التعبير الذي كتبه التلميذ سعيد إسماعيل يومذاك1951/12/15 قال ما نصه: أردت أن أروح عن نفسي من عناء سماع وحشية الإنجليز, فقررت أن أقوم برحلة بين الحقول: وبعد أن وصف مناظر الطبيعة كتب يقول:.. ثم رأيت بشرا.. يشقون في سبيل الحصول علي بضعة قروش بها, بينما هناك رأسماليون يجلسون في بيوتهم ساقا فوق ساق, والنقود تتكدس عليهم. إن الفلاح يعرف ذلك. ولكن ماذا يفعل؟ ـ إنه مكبل بقيود علي شكل قوانين من آثار الاحتلال الغاشم.
وفي مواساته للفلاحين قال: انكم تعلمون انكم في بؤس وضنك شديد, تعلمون كل هذا, ولكن صبرا, فإن فرج الله قريب. لأنه كلما اشتد الظلام قرب النور.
يذكر الدكتور سعيد اسماعيل في سيرته أن كراسة الانشاء حفلت بالشعارات التي كان يسجلها مع موضوعات الانشاء, بعضها كلمات للأستاذ خالد محمد خالد التي يقول فيها:
اذا خفنا اليوم ان نصطلي بنار الثورة دفاعا عن بلادنا, فسنصطلي بها دفاعا عن اعدائنا.
واذا آثرنا الطمأنينة علي الحرية, فسنفقد الطمأنينة والحرية ـ و..
الثورة علي الطغاة من طاعة الله و..
ان طريق الواجب هو أقصر الطرق إلي المجد, ولكن في مصر يحدث العكس.
قبل55 عاما احتفي استاذ اللغة العربية بتلميذه المنجذب للسياسة والداعي إلي الثورة سعيد اسماعيل, ودأب علي منحه أعلي الدرجات في الانشاء ـ ولابد لصاحبنا هذا ان يحمد ربه لأنه لم يكتب هذا الكلام في مدرسة عام2006
Thursday, July 06, 2006
Subscribe to:
Post Comments (Atom)
No comments:
Post a Comment